الأمين العام للجماعة یؤکد على ضرورة إجراءات جذرية تتناسب مع حجم الاحتجاجات والمطالبات 

وقال الأستاذ عبد الرحمن بيراني ، الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح ، في الاجتماع الأخير للمجلس المركزي للجماعة ، والذي عقد على الإنترنت مؤخرًا: "من المؤمل أن يتقبل المسؤولون وأعوان الدولة ، هذه حقيقة بأن التغییرات الجذرية أصبحت إرادة عامة ومنفعة وطنية ، وعليهم اتخاذ إجراءات مناسبة وفقا لحجم الاحتجاجات والمطالبات بحقوق المواطنين ، وتوفير اجتیاز الأمة والوطن من هذه المرحلة الخطيرة والمصيرية من خلال تحمل أقل تكلفة ممكنة".

وفيما يلي تصریحات الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بيراني الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح:

بسم الله الرّحمن الرّحیم 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وٲشهد ٲن لا ٳله ٳلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
عشية شهر رمضان المبارك وربيع القرآن والنوروز والسنة الشمسية الجديدة 1402 أغتنم الفرصة وأتمنى لكم سنة شمسية جديدة سعيدة وأتقدم بخالص التهانئ بقدوم شهر رمضان المبارك؛ أسال الله مغيّر الظروف ومحول الأحوال ومدبر الليل والنهار ان یجعل لکم أيها النبلاء وجميع أبناء الوطن الأعزاء شهر رمضان مفعما بالبركات والرحمة وعاما مليئا بالأمل والسلام والتوفيق وبمباركة شهر نزول القرآن یفتح أبواب الرحمة والغفران لشعب إيران العظیم ، وحررنا من شتى الصعوبات والمشاكل والمعاناة والأزمات ، ویزیل عنا الحزن والهم الثقيلین.

في بداية الخطاب ، أشعر بضرورة التعبير عن عميق أسفي وقلقي إزاء الأذى الذي لحق بصغار أطفالنا وشبابنا في عملية التسمم الغامضة والمريرة ، حیث أضر بسلامة المجتمع وخاصة أهالي بنات الوطن الفخورات. مع تمنياتي بالشفاء العاجل للمصابين ، أود التأكيد على ضرورة المتابعة الجادة والمحاسبة وإزالة الغموض عن المؤسسات ذات الصلة.

من المؤمل أن یتقبل المسؤولين والمعنیون في البلاد ، حقيقة أن إحداث تغييرات جوهرية أصبح الآن إرادة عامة ومنفعة وطنية ، مع إجراءات مناسبة بما يتلاءم مع حجم الاحتجاجات والمطالبات بحقوق الشعب وأن الوطن والدولة تجتاز هذه المرحلة الخطيرة والمصيرية بأقل تكلفة ممكنة.

اسمحوا لي أن أبدأ حديثي بالإشارة إلى دور أنبياء ورسل الله في مجتمعاتهم وأممهم؛ لم يكن لأنبياء الله مهمة ورسالة سوى خدمة شعبهم وأمتهم وأرضهم ، إصلاح شؤون الناس وإدارة القيم الدينية والأخلاقية ، ومحاربة الظلم والضلال والفساد والدمار بلا هوادة. لأن الهدف النهائي لخلق البشر هو تنمية الأرض التي جوهرها الأساسي هو الإصلاح كما يقول الله تعالى: "هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِیهَا"(هود: 61)

وبناءً على ذلك ، فإن الظلم والتعدي على حقوق الآخرين والفساد في الأرض يتعارضان مع الغرض من الخلق ، وطوال تاريخ البشرية ، لم يدمر الله أمة إلا بسبب الكفر والابتعاد عن قبول التعاليم السماوية ما لم يكن وجودهم مرتبطا بالظلم واضطهاد الآخرين والفساد والانحراف في العلاقات الاجتماعية والتجاریة وما إلى ذلك.

وبناءً على ذلك ، كانت الحكمة الإلهية تقتضي أن تبعث رسولا هاديا لكل شعب وأمة ، ولكل رسول ونبي مهمة ورسالة محددة:

"وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" (رعد: 7)
وما أجمل ما قاله القرآن الكريم:
"وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا" (هود: 50) 
"وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا" (هود: 61) 
"وَإِلَىٰ مَدْینَ أَخَاهُمْ شُعَیبًا" (هود: 84) 
من الواضح أن كلمة "أخاهم" هنا تشير إلى أخيهم في النسب والقبيلة والجوهرة البشرية.

وبحسب قصص الأنبياء في القرآن الكريم ، قام كل من الرسل بعد الدعوة إلى التوحيد والإخلاص في العبادة ببعض الإصلاحات التي تتناسب مع ظروف المجتمع وحالة شعوبهم. ولهذا نشهد تنوع الإصلاحات في برامج الأنبياء العظماء صلى الله عليهم وسلم وفیما یلي بعض النماذج التاريخية الرائعة:

1- تصحيح المعتقدات وتفسير النظرة التوحيدية من قبل جميع الأنبياء والمرسلين تحت عنوان: "اعبدوا الله ما لكم من الله غيره".

2- إصلاحات سياسية قام بها بعض الأنبياء وخاصة سيدنا موسى عليه السلام أمام فرعون.

3- التعامل مع الإصلاحات الاقتصادية وخاصة التجاریة لسيدنا شعيب عليه السلام بالنسبة لشعبه.

4- محاولة إجراء إصلاحات اجتماعية وأخلاقية من جانب لوط عليه السلام ، الذي دعا قومه إلى الابتعاد عن الأعمال القبيحة. 

5- إصلاحات إدارية وقضائية والحکم العادل لسيدنا داود عليه السلام ، وصدور الأمر الإلهي: "فَاحْكُم بَینَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَیضِلَّكَ عَن سَبِیلِ اللَّهِ".

6- إصلاحات تربوية للقمان الحكيم تحت عنوان النصح وتربية أبنائه.

7- تشجيع أصحاب القوة المادية والجسدیة على لعب الدور الرئيسي والجدية وخلق أعمال دائمة وتحقيق إنجازات مميزة وفعالة والسعي من أجل ازدهار الأرض ، في نصائح وأعمال وأوامر ذي القرنين موجهة إلى الذين يستعينون به ویسألونه عندما قال: 
"قَالَ مَا مَكَّنِّی فِیهِ رَبِّی خَیرٌ فَأَعِینُونِی بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَینَكُمْ وَبَینَهُمْ رَدْمًا ‎﴿٩٥﴾‏ آتُونِی زُبَرَ الْحَدِیدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَینَ الصَّدَفَینِ قَالَ انفُخُوا حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِی أُفْرِغْ عَلَیهِ قِطْرًا ‎﴿٩٦﴾‏ فَمَا اسْطَاعُوا أَن یظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا "‎﴿٩٧﴾‏

المقال الثاني على الرغم من أن القرآن الكريم كتاب عالمي وخالد وعنوانه عام لجميع الأزمنة والأماكن والأمم والقبائل ، إلا أنه في بداية نزوله بدأ مع فئة خاصة من الناس والآلام والاحتياجات والمشاكل والمتطلبات التي تتعلق بعصر الوحي ، واهتم بأحداث وظروف زمن نزول القرآن. وقد دفع ذلك الصحابة ومجتهدو عصر النبوة إلى الاهتمام في تطبيق النصوص على الواقع الذي عاشوا فيه ، بشكل دقيق وشامل ، وتحويله إلى منهج ونهج دائمين ، واعتبروا مستوى الفهم والمعرفة والوضع الحالي للناس في الرد على أسئلتهم وفتاواهم.

لأنهم كانوا على يقين من أن دين الإسلام ، كغيره من الديانات السماوية ، نزل لتسهيل شؤون الحياة ، ولتقوية المعنویة ، وإثراء الأرض ، وإقامة العدل وإزالة الآلام والمعاناة والحرمان. لقد جاء الإسلام ليعطي معنى للحياة جاء ليحیي القلوب بذکر الله ليخلق الأمل والصبر والحيوية وربط الحياة العابرة لهذا العالم بالآخرة.

من الواضح أنه في حين أن القرآن الكريم قد أولى اهتمامًا خاصًا بزمان ومكان وظروف الناس ، فإن خصوصية سبب نزوله لم ولن تخلق مشاکل لعمومية الرسالة.

أولاً: أنزل القرآن الكريم في مرحلتي المكیة والمدنية ، ولكل مرحلة خصائصها ومواقفها وأحداثها. لقد ركز القرآن المكي أكثر على شرح وتعميق المعتقدات والمبادئ الإيمانية ، وترسيخ القيم الدينية والأخلاقية السامية ، وتحسين الأفكار والعقائد. لكن القرآن المدني أولى اهتماما أكبر بصياغة العقد الاجتماعي وبناء التنظيم السياسي والاجتماعي للمواطنين وإنشاء وتعزيز العلاقات الإنسانية خارج علاقة الدين والشعب والقبيلة. لذلك يمكن الاعتراف بأن الإسلام بدأ عمله مع الإنسان والمجتمع والظروف والأوضاع السائدة التي تحكمهما وجعل إصدار المراسيم والأحكام في حدود قدرة المجتمع كهدف راهن ولم یحمل علیهم تکلیف «ما لا یُطاق» لذلك ، كانت قواعد وتعاليم الإسلام مناسبة لظروف الشعب ونشأت عن إرادتهم وعزمهم.

لأن الله سبحانه وتعالى هو خالق الإنسان والمجتمع والوقت والظروف والأحداث ، وهو مدرك للحاجات والآلام والمشاكل والنواقص ونقاط الضعف. لقد جعل الله الحكيم الهدف الأسمى للقواعد والتعاليم الدينية هو تهذیب الإنسان وتسهيل حياته وتوفیر سعادته وتحقيق الخير له ولذلك ، من الواضح یجب أن يكون معيار المسؤولية القوة والإمكانية والإرادة والتصميم الواعي للشخص ، ويجب أن تتعلق بها إرادة الله: "لَا یكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" وهذا القانون تسبب في ظهور مصطلحات تحت عنوان: فقه الواقع ، فقه الأحداث ، وما إلى ذلك في الشريعة الإسلامية ، ويلاحظها علماء المسلمين والفقهاء والمجتهدون  حیث جعلوا الفهم الصحيح والقدرة على تنفيذ الأمر الإلهي والأوضاع والظروف الحالية في الزمان والمكان معیارا للحكم الشرعي ونوعه..

وفي هذا السياق يمكن اعتبار أن أسباب نزول القرآن الكريم والتفسيرات النبوية هي انعكاس للظروف والمناسبات والمشاکل التي واجهها المجتمع والشعب.

في الواقع ، كانت أسباب نزول القرآن وسائل وأدوات لفهم كيفية تطبیق النصوص مع الحقائق والاستجابة لاحتياجات العصر وخلق الصلة بين الوحي والإنسان والزمن. من حيث المبدأ ؛ الفقه الحقيقي وفهم الظروف والأوضاع الحالية هي من ضروريات الفقه وعلوم الشريعة ، وقد أصبح منهجًا للاجتهاد الصحيح واستنباط الأحكام الشرعية وفهم قصد الشارع. لذلك ، فقد سمي الفقه أيضا بفقه القدرة وفقه الممکن. لأنه كما ذكرنا أعلاه ، فإن الهدف العام للدين هو تكريم الإنسان وتسهيل حياته وتزويده بأسباب السلام والراحة والسعادة والوفاء: "وَمَا جَعَلَ عَلَیكُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج: 78)

الجزء الأخير من خطابي القول الثقل والدقيق للإمام ابن القيم جوزي في هذا السياق الذي قال: 
"وَلَا یتَمَكَّنُ الْمُفْتِی وَلَا الْحَاكِمُ مِنْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ إلَّا بِنَوْعَینِ مِنْ الْفَهْمِ: أَحَدُهُمَا: فَهْمُ الْوَاقِعِ وَالْفِقْهِ فِیهِ وَاسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِیقَةِ مَا وَقَعَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ حَتَّى یحِیطَ بِهِ عِلْمًا".
وَالنَّوْعُ الثَّانِی: فَهْمُ الْوَاجِبِ فِی الْوَاقِعِ، وَهُوَ فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الَّذِی حَكَمَ بِهِ فِی كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ قَوْلِهِ فِی هَذَا الْوَاقِعِ، ثُمَّ یطَبِّقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ".

والواجب شيء والواقع شيء آخر تتمثل مسؤولية وواجبات الفقيه أو المجتهد في خلق صلة صحيحة بين الواقع والواجب.

إن واجب ورسالة علماء المسلمين والمفکرین والحركات والمنظمات الإسلامیة في العصر الحالي خطير وحساس للغاية. نحن نعيش في عصر التغييرات واسعة النطاق والسريعة والمكثفة في المجالات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية ، والتغيیرات في العادات والرموز ، وحتى القيم الدينية والأخلاقية؛ عصر هيمنة التكنولوجيا علی الحياة ، وعصر الذكاء الاصطناعي وعصر التغييرات الهيكلية في نمط الحياة التقليدي ؛ لذلك ، الحفاظ على العلاقة بين الإنسان والوحي الإلهي والتعاليم السامية لدين الإسلام ، وتوضيح الجانب الرحماني للإسلام ، مسؤولية جسيمة ملقاة على عاتق أهل الإيمان والمصلحين والحركات الإسلامية: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"والسلام علیكم ورحمة الله وبركاته